الأحد، 8 يونيو 2008

نظرا لطول الرسالة الأولى فقد قررت أن تكون الرسائل الجديدة في أول الصفحة حتى لا ترهق الباحث عن الكتابات الجديدة و لو كنت عاوز الموضوع من أوله يبقى من فضلك لو سمحت نزل الصفحة لتحت .
8\6\2008
"عم شوقي"
أنا قولتلكوا المرة اللي فاتت إني لسة بسأل العيال الأزواج أصدقائي على موضوع الحاجات اللى كل واحد فيهم عاوز يلاقيها في زوجته و لكن لأنهم جبناء و كل واحد فيهم خايف من مراته مش راضيين يعترفوا و لا حتى تحت الضغط و التعذيب, و بناء عليه قفلت باب المناقشة في الموضوع لحد ما حد يتجرأ و يتكلم .

نرجع بقى للصاغة و حواديتها.. النهارده هاحكيلكوا حكاية "عم شوقي" اللي كان بيشتغل معانا في المحل لحد السنة اللي قبل اللي فاتت .. عم شوقي ده كان من معجزات القرن .. حاجة كده لا حصلت و لا هاتحصل تاني ..

الراجل ده فضل يشتغل مع جدي و بعده مع والدي و عمي و معانا لما كبرنا و ده لمدة تزيد عن 50 سنة و بالمناسبة هو كان من مواليد سنة 1932 م و مات السنة اللي فاتت في ريعان شبابه عن عمر حوالي 75 سنة في عين العدو ... عم شوقي ده كان من علامات الصاغة مر عليه أجيال و أجيال من أصحاب المحلات ( المعلمين) و من اللي بيشتغلوا فيها ( الصبيان ) و على فكرة في الصاغة كلمة "صبي" تقال على كل من يعمل في محل في الصاغة مهما كان سنه ..

و علشان كده كان عم شوقي عارف تاريخ كل واحد في الصاغة : مين اللي أصله نجار ,و مين اللي كان ترزي ,و مين اللي كان صبي عند واحد و سرق من وراه هبرة معتبرة فتح بيها محل و بقى معلم, و مين اللي كان تاجر عملة ,و مين اللي كان بيشتغل في الالماظ و غيره يعني بإختصار عنده التاريخ القديم كله و الفضايح من أولها لآخرها .

عم شوقي كان نحيف الجسم جدا و قصير نسبيا و لابس نضارة قعر كباية و الباقي من شعره لونه فضي و ناعم و كان أسمر مكرمش البشرة أنفه طويل نسبيا مع فم صغير و كان دايما بيفكرني بعبد المنعم مدبولى في خفة دمه.

و مع إنه خرج من المدرسة من إبتدائي -على حد علمي- إنما كان عفريت في الحسابات و كمان كان عفريت في البيع و الشرا .و كل الناس كانت بتحبه معلمين و صبيان و زباين . و أنا شخصيا لحد لما سابنا كنت باحب أقعد معاه و أسمع حكاياته عن التاريخ القديم و نوادره مع الزباين و التجار .لكن عم شوقي ماكانش صبي بالمعنى الموجود في الصاغة بالعكس كان واحد مننا ,طبعا لطول العشرة , و كان بيحكيلي عن أيام زمان و الخير بتاع زمان : عن جدي ,لأني ما شفتش جدي الله يرحمه : كان يقولي إن الزباين زمان لما كانوا ييجوا يشتروا ذهب يجيبوله معاهم من البلد فطير و قرص و جبنه قريش و كان يطلع منهم ببقشيش محترم .و علشان كده قدر من خلال شغله مع جدي إنه يبني بيتين في البلد.

أما دلوقت الزباين ما يعلم بيهم إلا ربنا لو لقوه هو فطيره هاياخدوه معاهم و هما ماشيين .. الدنيا إتغيرت و الناس كمان .أهم مميزات عم شوقي إنه كان صايع قديم ما يسيبش حقه و لو مع التخين كان بيفكرني بعم أيوب في مسرحية العبقري محمد صبحي .. و كان في صياعته اللي مالهش أمارة دي بيعتمد على إن الناس كلها بتحبه و نظرا لسنه ما فيش حد هايحاول أنه يتخانق معاه و حتي اللي ما يعرفوش هايخاف يتخانق معاه أحسن يموت في إيده و يجيبله مصيبة .

كان غاوي هزار و نكت و في نفس الوقت كان بيتوسط لأي صبي إتخانق مع معلمه و ساب المحل علشان المعلم يرجعه تاني و بيتوسط لأي واحد عاوز يشتغل في محل لأول مره .لكن برضه ما كانش بيفوت بيعة أو شروه إلا لما يسمسر عليها . كان طالع واكل نازل واكل .

و كان عامل في بيت من البيتين مزرعة حيوانات مربي فيها معيز و حمام و رومي و أرانب و خرفان و كان بيصحى كل يوم من النوم الساعة 6 صباحا يروح للبيت اللي فيه الحيوانات و الطيور ينضف مكانها و يحطلها أكل و ميه و ييجي المحل عندنا حوالي الساعة 12 الضهر (باشا طبعا ) و يروح الساعة 10 مساءا يقعد في محل البقالة اللي فاتحه تحت البيت لأولاده لحد الساعة 12 نص الليل و بعدين يروح يتفرج على المصارعة الحرة على الدش و بعدين ينام .

لكن في الكام سنه الي قبل ما يموت جاله "سرطان" و كان بيتعالج تبع التأمين الصحي مره يروح ياخد العلاج و عشر مرات يزوغ و ده بسبب الآثار الجانبية لعلاج السرطان و اللي كانت بتتعبه جداو فضل على كده كذا سنة ,و كان عنده "مياه بيضاء" على عينيه و رفض يعمل العملية لأن الدكاتره كلهم في نظره نصابين . و كان بيتعالج من "الكبد و السكر و البرستاتا" حسب التساهيل ... كان قبل الغدا يطلع من جيبه كوكتيل حبوب أدوية يحدفها على بقه و يتغدى و أهي ماشية بالبركة .

أقنعته يعمل طقم أسنان بالعافية قبل ما يموت بثلاث سنوات بدل ما يزلط الأكل .
كان يعتبر كنز لأي دارس للطب لأنه كان عنده كل الأمراض المعروفة تقريبا و في وقت واحد و مع ذلك فضل يشغل لحد لما عمره و صل 75 سنه و كان خلاص بيفيص و أولاده قعدوه في البيت بالعافية لأنه كان خلاص مش قادر يمشي و مات بعدها بسنة واحدة في المستشفى لما بدأ ياخد الدواء بانتظام.

آخر حاجة هاقولها عنه إنه كان مسيحي و بيروح الكنيسة كل يوم أحد بإنتظام و دا أبلغ رد على الناس اللي بيفتكسوا موضوع إضطهاد الأقباط في مصر ... طبعا الراجل ده لو حاسس إنه مضطهد مننا كمسلمين ما كانش فضل يشتغل معانا أكتر من خمسين سنة و مع ثلاث أجيال من الأسرة في حين إن الصاغة مليانة تجار مسيحيين و كانوا يتمنوا إنه يشتغل مع أي واحد فيهم .

ليست هناك تعليقات: