هل كان قتلها في قاعة محكمة ألمانية حادثة فردية منعزلة؟ مروة الشربيني.. ضحية أجواء العداء في ألمانيا * | ||
| ||
مصطفى.. من ملعب أطفال إلى فقد أمه الآن فقط أدرك المحققون كما نقلت الصحافة الألمانية عنهم أن الجاني -ويُدعى آلكس- كان "قنبلة موقوتة" على حد تعبير أحدهم، وأن المحاكمة لم تكن مجرد خلاف قضائي بسيط، ودعوى معتادة نسبيا للتعويض بغرامة مالية على إهانات سابقة. كانت البداية في خريف 2008، في ملعب للأطفال، بمدينة درسدن شرق ألمانيا، وكان الرجل يسلّي طفلة من أقاربه بأرجوحة للأطفال، ورأت مروة أن الطفلة الصغيرة في مثل عمر ابنها مصطفى، فسألت الرجل أن يجلسا معا في الأرجوحة بعد أن طال مقام الطفلة فيها، وربما كانت مروة تفكر أن تلك صورة من صور التواصل والاندماج الذي لا يغيب الحديث عنه بشأن المسلمين في ألمانيا. وبدلا من أن تتلقى جوابا بالقبول أو الاعتذار، بدأ الرجل يكيل لها الشتائم، وصدر بحقه لهذا السبب حكم سابق بغرامة مالية بقيمة 780 يورو بسبب الإهانات، وانتقلت القضية إلى محكمة الاستئناف بناء على طلب الجاني، فقد بقي خلال المحكمة الأولى والثانية غير قادر على استيعاب أن عليه دفع غرامة ما.. إنما كان هادئا كما يؤكد المسئولون في المحكمة، لا ينذر وضعه العام بأنه سيرتكب جريمة ما، وربما كان في هذا الوصف نوع من التبرئة الذاتية أنه دخل المحكمة والسكين في طيات ثيابه، بينما تجدد الجدل في هذه الأثناء حول القوانين المتعلقة بتأمين المحاكم، فالسكين التي أدخلها الجاني معه تشير إلى أن القانون لا يفرض إجراءات تفتيش ما في محاكمات شبه اعتيادية، لا ينتظر أن يحدث فيها ما حدث من جريمة دموية في هذه المحكمة. سيان ما ستكون الحصيلة، وما الحكم الذي سيصدر على الجاني، فلن يعيد ذلك الحياة لمروة، ولن يزيل الألم والأسى من قلوب ذويها ومن عرفها. الجريمة.. وأجواء العداء للإسلام ولئن كانت الجريمة حادثة قائمة بذاتها من الناحية القانونية، فلا يمكن اعتبارها منفصلة عن الخلفية الاجتماعية والثقافية والإعلامية والسياسية المرتبطة بها بشأن وجود الإسلام والمسلمين في ألمانيا، وفي الغرب عموما، وعن آثار "حقبة الإرهاب الفكري والاجتماعي وحتى التشريعي" في نطاق ما سمي "الحرب ضد الإرهاب" وشمل الحروب الدموية الاستباقية المدمرة، والحملات السياسية والإعلامية المتواصلة، كما شمل ما يمكن وصفه بالإجراءات الاستباقية على صعيد تشريع القوانين الاستثنائية -كما توصف- وجميعها يدور حول محور متابعة المسلمين ومحاصرة مظاهر التزامهم بالإسلام، وأخذ كثير منهم بالشبهة.. وجميع ذلك باسم مكافحة الإرهاب، حتى أصبحت مكافحته بحد ذاتها ممارسات إرهابية. ولئن كان يسري على مروة أنها من الوافدين بإقامة مؤقتة مرافقة لزوجها المقيم إقامة مؤقتة أيضا بغرض التخصص الدراسي، فإن النسبة الأعظم من المسلمين في الغرب هم في هذه الأثناء من معتنقي الإسلام من أهل البلاد الأصليين، ومن المواليد المسلمين في الغرب ممن عرفوا الغرب موطنا ولم يعرفوا مواطن آبائهم أو أجدادهم الاصلية، فضلا عن فريق من المسلمين مضى على وجوده في الغرب عشرات السنين، ولا يبقى من الوافدين بسبب دراسة أو عمل أو حتى لجوء وهجرة، سوى نسبة محدودة. وقد كانت مروة وزوجها تعيشان مع طفلهما في درسدن اعتمادا على منحة دراسية، إذ كان يحضر لرسالة الدكتوراة في علم الأحياء الجزيئيي للخلايا في معهد ماكس بلانك المرموق عالميا، وكانت مروة تعمل في إحدى الصيدليات. أما الصورة المقابلة للمتطرفين فيمثلها القاتل آلكسي وإن لم يعرف عنه انتماء إلى منظمة متطرفة، وهو شبه أجنبي في ألمانيا واقعيا، فقد ولد في روسيا في عائلة من أصول ألمانية، وهاجر إلى ألمانيا عام 2003، ولم يحمل شهادة مدرسية، إذ لم يستطع إكمال دراسته، واشتغل عاملا دون كفاءات أو مهارات تذكر في أحد المخازن، وعاش في ألمانيا على المعونة الاجتماعية. ضحايا لا ناقة لهم ولا جمل لم يكن ضعف الاهتمام الإعلامي في ألمانيا بهذه الجريمة مستغربا، وقد انعكس في اقتصار معظم وسائل الإعلام على نقل الخبر مختصرا دون ربطه بخلفية عداء عنصري، بل يمكن القول بسعي بعض وسائل الإعلام لاستبعاد ذلك، وقد تكون الحجج الواردة بهذا الصدد صحيحة من حيث عدم ارتباط الجاني بتنظيم ما، إنما لا تصح هذه الصورة عند النظر في علاقة الحادثة بالأجواء العامة السائدة بفعل حملات السنوات القليلة الماضية، والتي ساهمت في "تسييس" قضية الحجاب من جانب أوساط علمانية أصولية، وبعضها في مناصب توجيه إعلامية وحزبية وسياسية، تارة بالتركيز على أن الحجاب رمز وليس فريضة، وأخرى بالقول إنه تعبير عن اضطهاد المرأة رغم تناقض هذا القول مع حقيقة انتشاره طوعا، وتارة ثالثة من خلال استصدار قوانين تحظره على فتيات المدارس وفي الدوائر العامة كما في فرنسا، أو على المدرسات المسلمات في ألمانيا. حملات التطرف العنصرية اليمينية من تسعينات القرن الميلادي العشرين وما رافقها من اعتداءات مباشرة على المسلمين عموما وعلى مساجدهم ومنشآتهم لم تعد جزءا من الواقع الألماني في الوقت الحاضر، فالخشية من تحولها إلى صدامات اجتماعية كبرى لعبت دورها في تنامي المعارضة الشعبية، وبالتالي عزلة التطرف العنصري، إنما كان ربط الإسلام بالإرهاب في الأعوام الثمانية الماضية على الأقل وريث تلك الحقبة، وهنا لا تصدر الحملات عن مجموعات وتنظيمات عنصرية أو متطرفة، وإنما عن أجهزة وأوساط سياسية وإعلامية وفكرية. الآن فقط.. أي بعد أن ظهرت الحصيلة الأولية للحروب الأمريكية، ازدادت ردود الفعل المضادة، وبدأ كثير من المفكرين ينشر من مواقف الإنصاف والتوعية، ما يمكن اعتباره نواة لتبدل الأجواء العامة مستقبلا في اتجاه إيجابي.. إنما لا يمكن انتظار حدوث تحول واسع النطاق قبل مرور سنين عديدة، وإلى ذلك الحين ستبقى الجولات مستمرة، وهي أقرب إلى جولات فئات متطرفة من الجانبين وحملات عداء وعداء مضاد، تقتصر في واقعها على نسبة محدودة يمكن وصفها بالأصوليين العلمانيين في الغرب، تملك التأثير أكثر من سواها بحكم وجود كثير من هؤلاء في مفاصل صناعة القرار الإعلامي والفكري والثقافي، ويقابل هؤلاء من يمكن وصفهم بالمتشددين والمتطرفين في التعامل مع الآخر باسم الإسلام، وهؤلاء أيضا يرتفع صوتهم وإن كانوا قلة، بسبب نوعية ما يقومون به من أنشطة مثيرة.. علاوة على أن كلا من الطرفين يعطي الحجة للطرف الآخر بممارساته، ويدعمه واقعيا عبر الدعاية غير المباشرة له من خلال التهويل من شأنه والتركيز عليه، بدلا من التركيز على الغالبية التي توصف بالصامتة عادة، هنا وهناك. وإلى أن تنحسر موجة العداء وأجواؤها، سيبقى الضحايا من هذه الغالبية الصامتة في الدرجة الأولى، ويحز في النفس أن تكون مروة من هؤلاء الضحايا!. المصدر موقع اسلام اون لاين دوت نت www.islamonline.net |
الأحد، 5 يوليو 2009
النازية تعاود الظهور في ألمانيا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق